أطوار الأموي وأحداثه
مرت بالمسجد أحداث جسام، لا أستطيع أن أستقصيها في هذه العجالة، إنما أعرض إليها عرضاً، وموعدنا بتفصيل أمرها كتابي الكبير عن الجامع، إن وفّق الله إليه وأذن بإتمامه.
الحرائق والزلازل:
فمن أكبر الأحداث التي أصابته الحرائق. وكان بقي سليماً، جدرانه كلها وسقوفه مغطاة بفصوص الفسيفساء المذهبة، ونقوشه بادية، وستره مسدلة، إلى سنة 461، حين انقسمت الدولة دولتين، وصارت الخلافة خلافتين، وادعى العبيديون أنهم من نسل فاطمة رضي الله عنها، وأقاموا حكومة باسمها، اتخذت لها غير مذهب جمهور المسلمين مذهباً، وأحدثت منكرات وبدعاً. وكان الخلاف قد استحكم في دمشق بين غلمان العباسيين وغلمان الفاطميين، ووصل إلى سَلّ السيوف وإراقة الدماء، والترامي بالنار، فأصابت النار دار الإمارة وهي الدار الخضراء (التي لم يبق منها الآن إلا مصبغة صغيرة في زقاق ضيّق، اسمها المصبغة الخضراء) فاحترقت الدار وامتد الحريق إلى المسجد، فأكلته النار أكلاً ومحت محاسنه، وأذهبت كل ما كان فيه، فلم يبق منه إلا الجدران الأربعة. وصارت أرضه بعد الفسيفساء التي تأخذ العقول تلالاً من التراب، طيناً في الشتاء، وغباراً في الصيف. وجُمعت فصوص الفسيفساء فأُودعت في المشاهد، إلى أن أخرجها ناظر المسجد القاضي الشهرزوري أيام السلطان نور الدين. وبقي المسجد مخرباً أربع عشرة سنة حتى جُدّدت عمارة السقف والقبة أيام ملكشاه السلجوقي على يد الوزير نظام الملك (مؤسس المدرسة النظامية). أما الصحن فبقي تراباً وطيناً، حتى بلط أيام الملك العادل بعد الستمئة. كما مرّ في الكلام على بلاط الجامع. وفي سنة 562 كان حريق حي اللبادين (النوفرة) فسَرَتْ النار إلى الأموي، فأحرقت قسماً منه من جهة باب جيرون. وفي سنة 570 أصابه حريق جزئي آخر، حين احترقت مدرسة الكلاسة وامتدت النار إلى مئذنة العروس فاحترقت. وفي سنة 646 احترقت سلالم المنارة الشرقية والبيوت التي في أسفلها وتضعضعت. وفي سنة 681 كان حريق جزئي آخر، إذ احترق سوق اللبادين وسوق جيرون فامتدت النار إلى حيطان الجامع ووصلت إلى قسم من السقف. وفي سنة 740 كان الحريق الكبير في دمشق، فأكلت النار أسواقاً برمّتها وكانت خسائر فادحة في الأموال، ووصلت النار إلى الجامع فاحترقت المئذنة الشرقية وقسم من الجانب الشرقي. وأصابه حريقان جزئيان سنة 1064 وسنة 1131. وكان الحريق الثاني الذي شمل المسجد كله هو الحريق الأخير سنة 1311 وسيأتي حديثه. أما الزلازل التي تتابعت على المسجد فمنها:
زلزال سنة 131 الذي انشق منه سقف المسجد على طوله.
وفي سنة 233 كان زلزال شديد أسقط المنارة فانهالت حجارتها على المسجد وخرّبت رُبُعَه، وتراكمت فيه كأنها جبل.
وفي سنة 552 كانت زلزلة عظيمة أسقطت كثيراً مما كان قد بقي من فصوص الفسيفساء.
وفي سنة 597 كانت أشد زلزلة على الأموي، إذ أسقطت قسماً من المنارة الشرقية وتشقّقت منها قبة النسر، وقيل إنها سقطت بعد ذلك على الناس.
وزلزال سنة 702 الذي تشققت منه بعض جدران الجامع.
وزلزال سنة 1173 الذي سقطت منه قبة عائشة، وتخرّب بعض المسجد.
إصلاحات في الأموي:
أما الإصلاحات الكبرى فيه فمنها:
أنها جُدّدت عمارة الحائط الشمالي سنة 503، أيام المستظهر العباسي بأمر الوالي طغتكين. وسنة 827 نُزع الرخام عن الجدار القبلي من الجهة الغربية، فوُجد في خلل، فحضر تنكز نفسه ومعه القضاة والخبراء وتقرر هدمه وإصلاحه واستأذن السلطان فأذن له، فعمره واستنفر له الناس، فتطوّعوا للعمل، وأخذوا له حجارة وجدوها في أصل المنارة الغربية المزالة عند الغزالية، فتمت العمارة في أقل من ستة أشهر. وفي سنة 729 كمل ترميم الحائط القبلي.
وفي سنة 730 رمم الجانب الشرقي حتى صار كالغربي.
القبة:
قبة النسر جُدّدت سنة 475 وسُقفت المقصورة والطاقات والأركان الأربعة في عهد نظام الملك وزير ملكشاه السلجوقي. وفي سنة 575 جدّد صلاح الدين ركنين من القبة. وفي شوال سنة 602 أُصلحت عدة من دعائم القبة من جهة الشمال. وفي سنة 611 أُسندت قبة النسر بأربعة أوتاد من الخشب، طول كل منها 32 ذراعاً بذراع العمال، جيء بها من بساتين الغوطة. وفي سنة 678 جدّدت أربعة دعائم في قبة النسر من ناحية الغرب. أما القبة القائمة الآن فهي والحرم كله من بناء أهل الشام بعد الحريق الأخير، كما سيأتي.
المآذن:
أما المآذن فقد كان في الزوايا الأربع قبل أن يصير جامعاً أربع صوامع، فتهدّمت الصومعتان الشماليّتان من القديم ولم تجدّدا وبقي أساسهما، وأُخذ من حجارة الأساس في الصومعة الشمالية الغربية لبناء الجدار القبلي سنة 728. ولما بنى الوليد المسجد رفع فوق الصومعتين الأماميتين المئذنتين (الغربية والشرقية) وبنى مئذنة وسط الجدار الشمالي، هي مئذنة العروس، وجعلها مذهبة كلها من أعلاها إلى أسفلها. واحترقت المئذنة الشمالية (العروس) في حريق مدرسة الكلاسة في المحرم سنة 570، فجددها السلطان صلاح الدين. وفي سنة 646 احترق القسم الأعلى من المنارة الشرقية وسلالمها والغرف التي في أسفلها، وأعادها الملك الصالح الأيوبي. وفي أسفل المنارة الشرقية بيت طهارة وغرفتان. أما الغربية فبأسفلها قاعة بلا ماء جددها السلطان قاتيباي المتوفّى سنة 901 بعد خرابها في حرب تيمورلنك، وكان أول يوم أُذّن فيها بعد تعطيلها وتجديدها 2 رمضان 814. وأُقيم في ذي القعدة 814 داربزين مئذنة العروس. وسنة 816 فرغ من بناء الغربية، وكان قد تخرب رأسها في حرب تميورلنك. وقد جُدّد النصف الأعلى من مئذنة العروس من عهد قريب. ونُقض في أيامنا النصف الأعلى من المئذنة الشرقية لخللٍ ظهر فيه وأُعيد كما كان.
المشاهد:
وفي سنة 596 جُدّد مشهد عروة وفُتح بعد ما أُغلق مدة (وربما سمي مشهد ابن عروة وكان يسمى قديماً مشهد علي ويدعى اليوم مشهد اليافي وهو مُعَدّ اليوم للوضوء). وفي سنة 668 جدد الملك الظاهر مشهد زين العابدين (مشهد الحسين)، بعدما استولى عليه الخراب، وطرد من كانوا يتخذونه ملجأ إلا واحداً منهم رأى فيه الصلاح والعبادة، وأُغلق مدة في أيام العثمانيين وأُهمل، فجدّده الوالي سليمان باشا وفتحه. وفي سنة 698 جُدّد مشهد عثمان (المتّخذ الآن بهواً للاستقبال)، بإشراف ناظر الجامع الناصر بن عبد السلام، وجُعل له إمام راتب.
الرخام والفسيفساء:
في سنة 630 جُدّد ترخيم باب الجامع الشرقي.
جَدّد الظاهر نحو سنة 668 كثيراً من الرخام في الحائط الشمالي، وكثيراً من الفسيفساء في الجدار الغربي، وأصلح رخامه ورمّمه وجلب له الرخام من كل جهة، فكان أحسن مما عمل قديماً، وأنفق في ذلك عشرين ألف دينار. وفي سنة 727 كمل ترخيم الحائط الشمالي، بأمر تنكز وعهد الناظر ابن المرحل. وفي سنة 730 جمعت فصوص الفسيفساء الباقية لتجعل في الجدار القبلي للصحن، في عهد ابن المرحل ناظر الجامع وبإذن نائب السلطنة تنكز والقاضي الإخنائي الشافعي. ولكن ذلك لم ينفّذ كما يظهر. وفي سنة 740 جدد الناصر بن قلاوون ترخيم مشهد أبي بكر.
***